زيادة الرواتب .. ما يريده المواطن من الحكومة .. والمالية تهرب من الضرائب ومن الإجابات أيضا
يشبه أحدهم علاقة الحكومات مع شعوبها كعلاقة بين شخصين تضيع الثقة والصدق بينهما فيصبح كل منهما بواد لا يرى ولا يسمع عن الآخر شيئا ويشكل كل منهما للآخر أزمة يقال عنها أزمة ثقة بين الحكومة والمواطن تتسع فجوتها باستمرار عبر السنوات وهي ليست مرتبطة بحكومة معينة بل استمرت مع الحكومات المتعاقبة وتحولت لشرخ كبير وهوة سحيقة ناجمة عن عدم شعور المواطن بصدق وعطاء وتعاطي الحكومة مع متطلباته بجدية .. الأمر الذي يجعل الحكومة الجديدة “المعدلة” أمام تحديات جسام لردم هذه الهوة بهدف كسب ثقة المواطن السوري .
سؤال طرح على الشارع السوري حول رأيه بالحكومة الجديدة والتغيير الذي طرأ عليها بتشكيلتها الجدية لتأتي أغلب الإجابات على شكل تمنيات بألا يكون هذا التغيير هو مجرد تغيير لأشخاص ووجوه دون فعل أي شيء يخدم حياتهم بسبب كثرة مشاكلهم التي تراكمت خلال هذه السنين, ولاسيما موضوع زيادة الرواتب هذه الإشاعة التي روج لها منذ عدة شهور فبنى المواطنون عليها أحلام لتحسين معيشتهم ، وان كانت هذه الزيادة بحال حصلوا عليها مستحيل ان تعينهم تبعاً للغلاء الذي يأكل السوق من شدة ناره و “لعنة الدولار” التي تقوض أي أمل بتحقيق نوع من التوازن بين الدخل والمعيشة.
وعلى ذلك أخذنا هذه الآراء ووضعناها بجعبة وزير المالية مأمون حمدان الذي حولنا الى معاونه الدكتور رياض عبد الرؤوف الذي بدوره لم يرد علينا رغم إبلاغه بمادتنا ومحتواها.
ومن ثم تواصلنا مع مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) وطرحنا على القائمين عليه نتيجة الاستبيان ليقدم لنا الدراسة الآتية : بخصوص إمكانية زيادة الرواتب والأجور…
مما لاشك فيه أن الفجوة باتت كبيرة بين مستوى تكاليف المعيشة بالحد الأدنى، وبين متوسط الرواتب والأجور، وذلك في ضوء التضخم والارتفاع في المستوى العام للأسعار، جراء تراجع سعر صرف الليرة السورية، وغياب مؤسسات التدخل الإيجابي الحقيقية، التي يفترض أن تضطلع بدور فعال وحقيقي لجهة ما يتعلق بتأمين السلع والخدمات بأسعار مناسبة بالنسبة لمحدودي الدخل والفقراء، الذين باتت نسبتهم تشكل غالبية عظمى من المجتمع السوري، وعلى امتداد كامل الجغرافية السورية بطولها وعرضها. ما يعني أن استعادة التوازن بين الدخل والاستهلاك ولو بالحد الأدنى باتت ضرورة إستراتيجية.
إلا أن مسألة تحسين الرواتب والأجور وعملية تضييق فجوة الاختلال الكبير بين الدخل والاستهلاك لمحدودي الدخل والفقراء ، تضع صناع القرار المالي مباشرة أمام مسألة البحث عن مصادر التمويل التي يمكن أن يتم من خلالها توفير الموارد المالية، إذ أنه وفي ضوء الانخفاض الكبير في موارد المصادر العادية، التي يندرج في مقدمتها إيرادات الضرائب، التي كنا ننتظر أن تكون حصيلتها وفيرة بعد أن يصدر قانون الضرائب الجديد والنوعي الذي ما يزال ينتظره المجتمع السوري منذ سنتين وأكثر، لم يبق أمام الحكومة إلا خيار اللجوء إلى مصادر التمويل الاستثنائية ( الاقتراض من الداخل أو الخارج).
ولما كان الاقتراض من الخارج غير متاح، ولا تتوفر له الشروط الموضوعية وغير مرغوب به، لأنه ينطوي على شروط معقدة و مخاطر كبرى، لم يبق أمام الحكومة إلا الاعتماد على تجريب المجرب الذي لم يكن مجدياً، وهو اللجوء إلى مصادر الاقتراض الداخلي والتمويل عن طريق الإصدار النقدي، وهذا له تداعيات كبيرة وخطيرة جداً في ضوء انخفاض مستوى الإنتاجية وضعف الإنتاج، وترهل المؤسسات والحجم الكبير في مديونية الحكومة الداخلية، ما قد يؤجج نار التضخم ويدفع المستوى العام للأسعار للارتفاع بحلقة أخرى ، ما يجعل المعالجة عبارة عن دوران في حلقة اقتصادية مفرغة سيرتفع بها ومعها مستوى الفقر والحرمان في سورية
في ضوء ما تقدم إن عملية تمويل زيادة الرواتب والأجور يتطلب البحث عن مصادر تمويل حقيقية منها: الإسراع باستصدار قانون الضرائب، وتسريع وتائر عودة المؤسسات للإنتاج، وتحسين مستوى الإنتاجية، والحد من مظاهر ممارسات الفساد و نفوذ تجار الأزمة والحرب، كمدخل لتأمين مصادر تمويل حقيقية يمكن أن ترفد خزينة الدولة وتؤمن الموارد اللازمة لتمويل زيادة الرواتب والأجور وتمويل عملية الإنتاج .
كما تواصلنا مع الدكتور علي كنعان الذي كان له رأي مغاير لما أتى به مركز إمداد فأكد “إن الرواتب والأجور في أي بلد من بلدان العالم تتناسب مع المستوى العام للأسعار وعندما تحدد الدولة مستوى الرواتب تأخذ بعين الاعتبار سلة السلع والغذاء وسلة الخدمات التي يحتاجها أي موظف واستناداّ عليها تقرر الحد الأدنى للأجر في سورية نستخدم ذات النظريات ولكننا في مرحلة الحرب لاحظنا ارتفاع الاسعار بمستويات إلى 1200% أما الأجور فلم تستطع الدولة زيادتها في خلال هذه المرحلة وكانت الزيادات التي تحصل بين 2500-6000 ل.س وهذا الأمر جعل الفجوة كبيرة جداً بين الأجور والأسعار الأمر الذي اضطر الموظفين والعمل لصرف مدخراتهم القديمة أن وجدت وقد أصبح المستوى المعيشي باهظاً جداً على هذه الشريحة وبالتالي ظهرت دعوات من قبل كل من في الشارع السوري إلى ضرورة زيادة الأجور لكي تتناسب مع المستوى العام للأسعار, وبالطبع لا يوجد أي دولة بالعالم غير قادرة على زيادة الأجور وإذا اضطرت الدولة فإنها أمام مصدر وحيد وهو الاقتراض من البنك المركزي أو من السوق النقدية كلاهما سيمول هذه الزيادة وسوف يؤدي إلى آثار ايجابية في الاقتصاد الوطني لكن البعض يحزرون من عملية الاقتراض لتمويل الرواتب بأنها ستؤدي إلى التضخم وأنا بدوري أقول لان التضخم محبب وله آثار إيجابية خاصة في الاقتصاد السوري لأنه سيزيد الطلب على السلع والخدمات سيحفز المستثمرين على زيادة الإنتاج ومن ثم ستبدأ حركة متزايدة في الاقتصاد السوري”.
وعقب الدكتور كنعان في ختام حديثه “بأن السبب الأول والأهم لعدم اتخاذ قرار زيادة الرواتب هو اقتصاديين يخيفون الحكومة”.
هيا عيسى عبد الله